مرآة العالم
هل تشعر باليأس الثقيل، وكأن أبواب العالم كلها مسدودة في وجهك؟ هل تشعر أنك مسجون في سجن كبير لا يمكنك الهرب منه واستعادة حريتك؟ هل تتساءل لماذا تعمل الحياة ضدك ولمَ أنت غالباً تعيس الحظ؟
هل تألمت كفاية أم انك عطشان للمزيد من الألم وعيش التجارب القاسية من جديد؟
تخيل أنك مفقود في الصحراء بعد رحلة استكشاف خضتها بنفسك، وفجأة ظهرتُ لك في أبهى صوري وأخبرتك أنك نائم وتحلم بأنك مفقود، فهل يا ترى ستستمع لي على الفور وتتبعني، لأساعدك على الاستيقاظ من حلم غير مرغوب فيه، والهرب لآخر أقل خطراً على الجسد والعقل؟
كم يوم من المعاناة ستحتاج يا ترى حتى تضع ما أقوله في خانة الاحتمالات الممكنة؟
ستدور الكوكب بأكمله وتجرب كل الطرق والوسائل التي تعرفها، وبعد أن ترى أنه لا مخرج من المتاهة التي وجدت نفسك بها، ولم يتبقى أمامك من الحلول غير الاستماع لما أقول وتجربته للمرة الأولى، ستصرخ حينها تناديني بأعمق ما فيك، وترجوني لأدلك على الطريق الصحيح. الغريب أن الكثير منا قد تأقلم على العيش بداخل المتاهة. على كل حال سأكون دائماً في الجوار، وسألبي ندائك كلما ناديتني حتى لو تصرفت بسذاجة في البداية، وظننت أن ما أخبرك به ما هو إلا دجل أو خيال علمي. سأسامحك، لأن وعيي أكبر من وعيك. لا أقصد الغرور، ولكني أرصد معاناتي معك وغربتي الفكرية، وتعبي مع من لا يفهم، لأن وعيه لم يصل لتلك المرحلة من الفهم بعد. ومالي ألومك وأنا أكثر من يعلم أن الأمر ليس بيدك، كما هو الحال مع الحمامة، فهي لا تدرك الكثير من الحقائق ولا تفهم الفلسفة الوجودية والأمر ليس بيدها هي كذلك. فوعيها الصغير يفهم ما عليه فهمه فقط، لكننا في الحقيقة لا نستطيع الحكم على أي شيئ في هذا الوجود حتى الحمامة نفسها. وما يدرينا فلعل رأس الحمامة الصغير يخبأ بداخله وعي الكون بأسره، وقد يفهم ما عجزت بشريتنا كلها عن فهمه.
سامحني إن أدخلتك مجدداً إلى عالم فيزياء الكم والفلسفة الوجودية. اعذرني يا ذو الوعي المحدود، فالفلسفة الوجودية وفيزياء الكم هما اليدان الرحيمتان اللتان ستحملانك برفق إلى خارج المتاهة الملعونة وستأخذانك إلى حيث جنة الرغبات المحققة، فلا تكن فظاً وكف عن نعت الفيزياء والفلسفة بالملل، بل حياتك هي المملة وفي كلماتي مخرج النجاة. أقترب مني أكثر وحاول أن تفهم وتعيد قراءة ما لم تفهمه عشرات المرات حتى تفهم، ففي الفهم النجاة. أفهم تنجو، وأجهل تهلك.
الآن دعني أعود لموضوع المقال ولا تثرثر كثيراً بأسئلتك السخيفة وأقرأ بتمعن ويقظة.
فتح عقلك وعيونك جيداً وأذنك إن كنت تستمع لما أقول..
العالم يتلاعب بك. يضعك في حلم جماعي عبر تنويمك بشكل لا إرادي حيث فُرض عليك سيناريو معين سيقودك إلى قدر ما. أنت غير متحكم في أي شيء. تظن أنك تفعل الصواب، لكنك لا تفهم لمَ تعمل الحياة ضدك غالباً. تشعر أنك مسير ومُقاد من قبل قوى غريبة ينسبها البعض للسماء أو اليد الإلهية أو القدر أو الكارما وغيرها. لا يهم ما الذي صنع العالم ومن الذي يديره. صدقني كل هذا لا يهم، المهم حقاً هو الهرب من المتاهة واسترداد حرية الاختيار.
أنت في ما يشبه المحاكاة ثلاثية الأبعاد. أنا لا أتحدث عن فضائيين، أو بشر آخرين، أو أي كائنات مادية أو غير مادية. هذا ليس موضوعي. ولا أتحدث عن الإله كذلك، وإن كنت ترغب في معرفة الإله وأفكاري وتجاربي معه، فعليك قراءة المقالات التي تتحدث عنه. أنا أتحدث هنا عن العالم فقط، ما تسميه أنت بالكون الذي نحن جميعنا جزء منه. العالم عبارة عن محاكاة ثلاثية الأبعاد، أو فيلم ثلاثي الأبعاد أو حلم جماعي ثلاثي الأبعاد ومن الممكن أن تختصر كل ما سبق وتطلق عليه الوهم كما فعل القدماء. سميه كما تشاء، هو كذلك. حياة الدنيا أو المايا، ما العالم إلا حلم لا أكثر.
صدقني أنا أفهمك وأشعر بك وأكره ذلك.
أفهم أن الأمر مرعب بالنسبة لك. أي قصة خارج صندوق القصص الصغير الذي تحمله في رأسك ستعتبر تهديداً صريحا لشخصيتك الوهمية. يا إلهي كم تمنيت أن أكون سيدة أعمال تجمع الأموال وتنفقها على محلات التسوق ومراكز التجميل وفنادق الخمس نجوم، بدلاً من جلستي تلك التي لا جدوى منها والتي أحاول فيها أن أشرح للحالمين بأنهم يحلمون. ما أشقها من مهمة!! .
أستيقظ يا عزيزي أرجوك، وحاول أن تفهم ما أقول. أنت تحلم، نعم، أنا لا أمازحك. والآن عليك أن تستيقظ. أسمعك تسألني:” كيف لي أن أستيقظ وأنا مستيقظ؟” لا، أنت لست مستيقظ أنت نائم، والدليل أن عقلك الثرثار لا يكف عن الحديث التافه وتحليل كل همسة ولمسة . أنت نائم حتى تترك كل شيء للحظة وتصمت داخلياً وخارجياً (وتتخذ موقع الصفر من الخوارزمية). آخ أعتذر! لا أريد تشتيتك، سأخبرك بموقع الصفر لاحقاً. أما الآن فعد إلي بذهنك واستيقظ. خذ نفسا عميقاً ولا تكن مغفلا وتخبر نفسك أنك ستقرأ المقال أولا ثم تمارس التمرين لاحقا في مكان ووقت انسب.أقرأ التمرين و مارسه الآن. خذ نفساً عميقاً من بطنك. راقب بطنك وهي تكبر وأنت تتنفس بعمق، ثم تعود لتصغر وأنت تخرج النفس بهدوء. أغمض عينيك، الآن تنفس بعمق وكأنك كنت تحت الماء لفترة طويلة. تنفس وأخرج النفس، ثم تنفس من جديد بعمق. لا تنسى أنك تستخدم أنفك فقط وليس فمك في كل من عملية الشهيق والزفير. أنت تعمل مع النفس، تتصل بأصل الحياة، أكثر شيء تحتاج له لتكن موجوداً ومن دونه لا يمكنك البقاء على قيد الحياة. لذا أصمت الثرثار الداخلي وأخضع انتباهك لعملية التنفس العميق. أفتح عينيك حين تشعر أنك مستعد. الآن أنظر حولك لكل شيء وأفترض أن كل ما تراه ليس حقيقي. تصرف مع كل شيء وكأنك تحلم. هل تستطيع التعامل مع الواقع والأشخاص (الحالمين الآخرين) بنفس الطريقة والمزاج. لا، أنت لا تستطيع هذا، لأنك تظن أني امزح. بل الأسخف من ذلك أن وعيك المحدود الطريف يظن أن هناك دواء سحري أو حبة ملونة مثل فيلم ماتريكس قد تساعدك على الاستيقاظ. هل يخبرك عقلك، بأني أخفى عنك الطريقة الفعالة وأحتفظ بالأسرار لنفسي؟ للأسف أنا لا أمتلك الحبة السحرية، وأشك أنها موجودة، وإلا كنت بعتك إياها بآلاف الدولارات وجنيت الكثير من الأموال من ورائها. الظريف أني أخبرتك بالفعل بأغلب الطرق التي تساعدك على الاستيقاظ، لكنك لم تلتزم بولا واحدة منهم. لماذا يا ترى؟ لأنك لا تزال نائم يا عزيزي. أنسيت ما أخبرتك به قبل عدة دقائق؟
حين تنام ليلاً وتحلم أنك شخصية أو حتى الكيان آخر غير حقيقتك التي تعرف، فهل تتذكر حينها هويتك الحقيقة وتعي أنك تحلم أم أنك منغمس في الحلم لدرجة كبيرة قد ترعبك وتلقي بك خارج سريرك في تجربة تسمى بالكابوس. وهكذا أنت لا تتذكر هنا حقيقتك، لأنك تحلم. في المنام أنت تعيش حلم فردي، ومعنا هنا تعيش الحلم الجماعي. فمرحباً بك يا عزيزي في الوهم العظيم؛ الحياة.
خرجت حياتنا ثلاثية الأبعاد إلى ما نسميه الوجود في مثلث أطلق عليه مثلث الوهم العظيم، لأن الوهم الذي يمسك بنا جميعا ويأسرنا بداخله، لا يمكن أن يتحقق أو يكون إلا بداخل هذا المثلث. تمثل أضلع مثلث الوهم عالمنا الثلاثي الأبعاد، حيث يمثل الضلع الأول (وهم المادة الصلبة)، والضلع الثاني (وهم الانفصال بين الموجودات)، بينما يشكل الضلع الثالث (وهم الزمن).
أسمع البعض منكم يشكك مرة أخرى في مثلث الوهم العظيم والمسلمات الثلاثة؛ وهم المادة الصلبة، وهم
الانفصال، ووهم الزمن. نعم أعيد ذكرها مجددا لأخبرك أني أعي ما أقول. فلا جسدك في الحقيقة بصلب، بل أن 99,9999999999% منه ومن كل المواد الصلبة من حولك مجرد فراغ. ولا أنت بمنفصل عن من هم حولك من أحبة وأعداء، بل يحزني أن أخبرك بأننا أنا وأنت تحت مستوى ما دون النووي واحد حرفياً. ولا الزمن الذي تركض وراءه لاهثاً بحقيقي، بل أن الماضي والمستقبل يحدثان الآن كحال الحاضر ولكننا لا ندرك ذلك..
هذا ليس بكلامي ولكن كلام العلماء من مختلف الحقول، وكذلك هو حقائق وخلاصة تجارب عظماء الفلاسفة من عاشوا على كوكبنا واسهموا في نمو وعي حضارتنا البشرية.
الموضوع طويل ويحتاج لآلاف الكلمات لشرحه، فإن لم تكن سمعت من قبل عن تلك المسلمات الثلاثة، فأنصحك بمشاهدة سلسة مثلث الوهم العظيم ومن ثم البحث وراء المعلومات التي قدمت لك. أما الآن فدعني أؤكد على ما أقول ببعض الأقوال ممن ساهم في البحث وراء لغز الوجود.
“إن كنت تصدق قوانين الفيزياء، فالمستقبل والماضي موجودان الآن وحقيقيان تماماً كالحاضر”
Sean Carroll
“إن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ما هو إلا وهم مع ذلك نظنه موجود”
Albert Einstein
“أعمق الحقائق التي توصل لها العلم والفلسفة هي الوحدانية، أو الوحدة التي تربط كل شيء في الكون ببعضه، وعلى مستوى ما دون النووي أنا وأنت حرفياً واحد”
John Haglein
“إن الماضي دوامة إذا تركته يسيطر على لحظتك الحالية فسوف يمتصك ويجرفك. ما الزمان إلا وهم. المهم أن تركز على لحظتك الحالية وتعيش هادئ“
جلال الدين الرومي
“رأيتُ ربي بعين قلبي، فقلت: من أنتَ؟ فقال: أنت! فلا لأين منك أين، ولا أين بحيث أنت.
أنت الذي حزت كل أين بحيث لا أين، فأين أنت“
تعود القصيدة للمتصوف الشاعر منصور الحلاج وهي بمثابة شرح شعري لخاصية اللامكان لفوتونات الضوء، والتي اكتشفت بعد
موت الحلاج بعدة قرون.
لكي نصنع لعبة ما، سنحتاج إلى أشكال وأنماط مختلفة، سواء كانت أشكال مادية ثلاثية الأبعاد أم مجرد رسومات على الحاسوب ثنائية البعد. كما لابد من خلق اختلاف بين تلك الأشكال المشاركة في اللعبة؛ كأي لعبة رياضية حيث يرتدي اللاعبون ملابس بألوان مختلفة ليميزون بعضهم عن بعض. فبالرغم من أن جميع الكيانات المشاركة في اللعبة مصنوعة من نفس المادة، غير أن الانفصال بين الكيان والآخر وخلق الاختلاف من أجل روح المنافسة، أمرٌ لابد منه. ففي المنافسة التحدي، وفي التحدي التطور بكل معانيه ودروس كثيرة يتعلمها المرء أثناء تحديه لقدراته. وهنا يأتي العنصر الثالث والذي بدونه لا يمكن أن تكون اللعبة؛ وهو الزمن. فلابد من مدة زمنية محددة لكل لعبة من أجل أن تبدأ وتنتهي، وإلا بات الأمر عبثي وممل جداً. لذا لكل كيان من الكيانات المشاركة مدة زمنية محددة، فحتى الشمس لها عمر ستقضيه وتفنى بعده لتولد بشكل آخر وهكذا.
إن كنت تعلم حقيقة الوهم الذي نعيشه، فلقد ذكرتك بما نسيت لأيقظك من غيبوبتك، وأخرجك من المتاهة التي أنت عالقٌ بها بالرغم من معرفتك بالأسرار. أما إن كانت تلك هي المرة الأولى التي تتعرف فيها على الحقيقة العجيبة، إذاً فلقد تعرفت للتو على واحدة من أهم الأسرار المقدسة. لكني لستُ هنا لأخبرك بما تحدثتُ عنه مسبقاً مرات عدة وهو مثلث الوهم العظيم، بل لأخذ بيدك وأخلصك من الفخ الذي وقعت فيه وعجزت عن الهرب منه.
الحقيقة التي أريد أن أخبرك والتي أخفوها عنك قصداً؛ هي أنك تعيش عبر مرآة العالم، حيث تقاتل انعكاسك ظناً منك أنه شخصاً أو شيء آخر. كل شيء موجود في عقلك فقط ولا يوجد ما هو حقيقي من كل مما ظننت. كما قال العالم فاديم زيلاند في كتابه الترانسيرفنغ (مثل الهر يقف أمام المرآة ليقاتل انعكاسه ظناً منه بأنه قطٌ آخر). هكذا نعيش الحياة، أو هكذا نلعب تلك اللعبة التي تسمى الحياة.
أعرف أن في كلامي الكثير من العجب، ولكن الأعجب لم يأتي بعد، وما حديثنا حتى الآن إلا غيضٌ من فيضٍ عظيم.
بالطبع سمعت عن العوالم الموازية وحتى المصفوفة وغيرها من المصطلحات في أفلام الخيال العلمي أولاً، ومن بعدها بدأ العلماء يبحثون ويدرسون تلك النظرية ويتحدثون عنها، لكن هل تعتقد أن العلماء اعتبروا تلك النظرية كاحتمالية ممكنة، فقط بسبب أفلام الخيال العلمي وحدها؟
حديث العلماء عن ما يسمى بالأكوان الموازية هو نتاج حسابات ومعادلات رياضية معقدة، ومراقبة طويلة، وأبحاث عدة.
يؤمن البعض من العلماء أن الكون حين حدث وخرج للوجود بعد الانفجار العظيم، خرج معه انعكاسا له، وقد أحدث الانعكاس انعكاسا آخر وهكذا إلى ما لانهاية. نظرية الأكوان اللانهائية هي محور كتاب عمل عليه بول شتاينهاردت ونيل توروك بعنوان الكون اللانهائي .
لكل شيء في الوجود انعكاس. الكون العظيم بنفسه له انعكاساً، وكذلك أنت لك عدة انعكاسات أو ربما عدد لانهائي من الانعكاسات، بعضها حي وبعضها مجرد صور مخزنة في اللوح المحفوظ أو الأرشيف الأبدي. أجاب المعلم الهندي سادجورو أحد الأسئلة التي تخص الأكوان الموازية؛ بأن الوجود قد حدث 84 مرة، 63 منها قد فني ولم يعد موجوداً، و21 آخرون في طريقهم للفناء. واحد لا يزال مجمد لم يسلط الضوء عليه بعد ليحدث، وعشرون يحدثون الآن. نمتاز بقوة الحياة والوعي في وجودنا الحالي، بينما تتناسب درجة الحياة في التسعة عشر الأخرى، حيث يوجد منها من هو حي مثلنا تماماً وأخرى مضمحلة جداً كالظلال. وهكذا 83 مرة حدث ويحدث فيها الوجود، ومرة لا يزال مجمداً ينتظر الحدوث. لذا حين يقال في الهندوسية أن المرء يعيش في الماضي، يعني أنه لن يُحدث مستقبلاً جديداً، لأن تركيزه كله منصب على ما حدث بالفعل في الوجود. أضاف سادجورو أنه ألتقى بأحد العلماء المؤلفين لكتاب الكون اللانهائي وقد أخبره أنه في حالة توصل العلم يوماً لرقم ما للوجود، فسيكون 84.
نحن وجوداً من عشرين وجود آخر كما يدعي سادجورو، أو وجوداً بين عدد لانهائي من الوجود. لا علم لدي ولا أمتلك سوى القليل من المعلومات، والتي أحاول أن أصنع منها قارب للنجاة وأدعوكم جميعكم لتنجو معي كما فعل نوح. واحدةٌ من المعلومات التي املك تفيد بأننا، نقف أمام انعكاساتنا طيلة الوقت، نحب ونقاتل وننافس أنفسنا. في عالمٍ غريب قد يفجر عقلك من شدة العجب.
أه لا تسألني المزيد أرجوك! أرحمني من فضولك وأحترس منه. فلقد ساعدني فضولي وخدمني كثيرا، لكنه جعل مني غريبة أطوار كذلك كما تسميني. وهذا لأني تجرأتُ على الخروج من الكهف كما فعلت القلة القليلة منا، كهف أفلاطون، أتذكره؟ اختلست نظرة من وراء الحجاب، فأخذتني إلى ما لا يفهمه العقل البشري ولا يحبه. فهي غير مريحة؛ الحقيقة.
والحقيقة أنك تحلم و هاأنا أحاول أن أيقظك. علينا أن نستيقظ لنختار التجارب القادمة وإلا قادتنا الرياح بعيدا عن ما نشتهي. لا تعتقد أني لست خائفة، بل أن الأمر مرعب لا انكر، لكنه ممتع في ذات الوقت. كما أن الحكمة واحدة من ثمار المعرفة، والحكمة تخبرني أن أقود واقعي، وأخلق عالمي، وأن أعيش كنسخة ممن خلقني. ولقد تعلمت عبر رحلتي أن القدرة الكلية هي خاصية الإله وهي نتاج المعرفة والحكمة كذلك، حيث تراها بوضوح في المثلث الأعلى لشجرة الحياة في العلم اليهودي المعروف بالقبالة؛ فتكون المعرفة ومن بعدها الحكمة، ومن ثم القدرة الكلية. فأفهم تنجو.
أفهمت الآن لماذا أخبرتك أنك نائم وتحلم؟ لأنه ليس من شيء مما عرفت واعتدت بما في ذلك جسدك الذي يقودك كالحيوان الثائر أحيانا، بحقيقي، بل كل شيء هنا في تلك اللعبة وهم ولا شيء غير الوهم. الشيء الحقيقي الوحيد هو ذلك الذي قد تعيش حياتك كلها وتموت ولم تدركه بعد. إنه المطلق القادر، من يعيش سجين بداخلك ينتظرك لتحرره. وهذا هو معنى اللعبة. فهو الواحد الخالق، المدبر، المدمر، الحالم والمستيقظ. هو الواحد وهو نحن جميعنا كذلك. لا طريق إلى مملكته سوى الطريق الداخلي.
لهذا يخبرك المتصوفة والفلاسفة من كل صوب أن تعيش هادئ في اللحظة الحالية، وأن لا تنشغل بالماضي والمستقبل؟ لأن اللحظة الحالية هي السلاح الذي ستحارب به عدوك الحقيقي؛ نفسك المزيفة. عندما تركز على لحظتك الحالية وتعيش كل تجربة كما هي دون أحكام ومقاومة أو تعلق شديد، تذيب بذلك قناع الإيجو السميك أو ما يسمى بالذات الأنانية، أو حتى الشيطان. حين ينقشع الضباب ستظهر الشمس ويغمرنا نورها من جديد. هذا ما يحدث بتركيزنا على اللحظة الحالية حيث نفسح الطريق للضوء الإلهي بداخلنا ليغمر حياتنا بالحق وينير طريقنا ويرشدنا إلى الوجهة الصحيحة. وما أشد حاجتنا للإرشاد في ضوضاء السيرك العالمي الذي نعيشه.
الآن دعنا نخلص كل ما قيل. العالم وهم ولا يوجد ما هو حقيقي غير الوعي الصافي، والوعي الصافي هي حالة الحضور الكلي. بمعنى آخر الحضور الذهني والعيش في اللحظة الحالية، هو حالة الوعي النقي الخلاق، لكن لماذا نحتاج الوعي النقي؟ لأنه الضوء الذي سنسلطه على صور جديدة من الأرشيف الأبدي، لنختار تجارب معينة نريدها أن نعيشها. لابد من اتحاد النية الخالصة مع التركيز، والتي تكون بالعزم على الحصول أو نيل التجربة المرجوة، والعيش في اللحظة كما هي. التركيز على المادة عبث، بل عليك التركيز على ما تريده من مشاعر مصاحبة لتلك التجربة.
نسيت أن أخبرك بأنك قد تكتشف أسرار الوجود خلال رحلتك. فلا داعي أن تسألني مجددا أسئلة لا جدوى منها؛ مثل من صنع اللعبة أو الحياة أو ما الهدف منها؟ وماذا كان قبل بدايتها وماذا سيكون في نهايتها؟ لا تسألني لأنه عليك خوض الرحلة وحدك وعيش القصة بنفسك بدلاً من أن تصدق أو تكذب ما تسمعه من الآخرين، بينما أنت عاجز عن البرهان. كما أني لا أعلم سوى القليل جداً. فلقد منَ عليَّ الصمد بأن أدخلني تجربة الصمدية أو ما تسمى في الهندوسية بالصمادي، إذ أزال الحجاب وأراني ما وراء أبعادنا الثلاثة، ففهمت أني في الحقيقة لاشيء وأن حقيقة جسدي وهويتي وشخصيتي وذكرياتي بما فيها آلامي ومتعي، هي في الحقيقة مجرد حلم، لعبة أو وهم، وأني قد أكون أي حلم آخر. فقد أكون مجرد كلمة في كتاب تحمل في قلبها الكون بأكمله..
.يااااه لقد أخذتني بعيداً عن موضوعي مرة أخرى. هذا كله بسبب ثرثرتك الفارغة وعقلك الموضوعي المبرمج الذي لا يفهم ما وراءه.
على أي حال لا شأن لك عزيزي القارئ بعلاقتي مع ما يسمى بالخالق. أنا ديمقراطية جدا، فمن حقك أن تدعي أن الخالق وهم وأن ذكائك هو الحقيقة الوحيدة هنا. بصراحة بعيدا عن غرورك الذي لا أفهمه، لكني لا أريد أن أخوض معك جدالاً لا فائدة منه. ببساطة لأني ليستُ هنا لأدعوك لتؤمن بدين ما، بل أنا هنا لأقدم المساعدة. أقدم لك طريقة مجربة تمكنك من قيادة اللعبة بدلاً من أن تقودك هي كالبهيمة التي لا حول لها ولا قوة.
أسمعت يوماً عن الثغرة التي تمكن البعض من اختراق البرنامج، أو ما يسمى بالجليتش في اللغة الإنجليزية. أعتبر ما أخبرتك به بمثابة الثغرة التي قد تمكنك من الانتقال من عالم إلى عالم آخر أو حتى قد تخرجك من كابوس تعيشه إلى حلم جميل. وما يدريك فلعلك تكشف المزيد في طريق رحلتك وتضيف على ما أحاول مشاركته معك، فننفع به أنفسنا وغيرنا. لعلك تكتشف ما لم أكتشفه بعد. وما الذي قد يمنعك من تجربة ما أقول، وقد جربت كل شيء ولا جدوي في كل مما اجتهدت، سوي الشعور بالنقص المستمر. تلهث وراء الحلم كالكلب الجائع ولن تشبع أبدا، فلمَ لا تتوقف اليوم وتجرب ما هو جديد.
لن يمنعك من الفائدة غير عنادك الذي هو في أصله خوف، والذي تظنه خطئاً ذكاءً ومنطقً.
المصادر:
1 – Simulation of Quantim Promo Dynamic
http://www.physics.adelaide.edu.au/theory/staff/leinweber/VisualQCD/Nobel/
2 – Endless Universes
3 – Professor John Hagelin https://www.hagelin.org/